الاثنين، 30 يناير 2017

توضيح السّيد رئيس الورديّة / قصة للقاص والشاعر مصطفى الحاج حسين / مجلة تجمع الأدباء والكتاب السوريين والعرب الأحرار / رئيس التحرير محمد أحمد خليفة


       بسم الله الرحمن الرحيم .. إلى حضرة
ابن العم الغالي ، " أبو سليم " ، تحيّة عربيّة
صادقة ، أبعثها إليكَ من صميمِ القلب ، وأتمنّى أن تصلكَ وأنتَ بألفِ خيرٍ وعافيةٍ ،
كما أرجو من الله عزّ وجلّ ، أن يديمكَ على
رؤوسنا سنداً لكلّ العشيرة ، فنحن بفضلكَ
صرنا من أقوى العشائر في المنطقة .
       وبعد ياابن عمّي العزيز .. لقد وصلتني
رسالتك الكريمة ، وتبيّن لي أنّ الشّكاوى التي
وصلت إليكَ بحقّي ظالمة ومغلوطة ، فأرجو
ألاّ تلومني إلاّ بعد أن تقرأ رسالتي .
       نعم .. أعترف لكَ بأنني أقوم بضربِ عمّالي ، ولكننّي أضربهم بدافع حرصي على
المصلحة العامة ، كما علّمتنا أنت ، فليست لي عداوات شخصيّة مع أحدٍ من العمّال ،
كما طلبتَ منّا أنتَ ، فأستغلّ منصبي لأضربه
، كما جاءتكَ الأخبار ، ثمّ أننّي لا أستثني أحداً من الضّرب ، حتّى لا أحد يتحسّس منّي ، بما فيهم أولاد عشيرتي ، وهذا دليل
كبير على نزاهتي وعدالتي ، لأنّك المَثَل الأعلى في هذا المجال ، دون منافس ..فأنا
أكره أخذ دور المتسلّط ، وعندي المصلحة
العامة ، كما تعلم ،  تقتضي الشّدة والحزم ، ليتمكّن المسؤول من إنجاح عمله ،
كما تقول أنت دائماً في مؤتمراتك المؤثرة ،
انطلاقاً من إيماننا المشترك بالاشتراكية ، لأنني أعي ذلك ، فأنا أبذل كلٌ مابوسعي لتوعية العمال الجهلة ، لمصلحتهم ومصلحة
البلد .. ومن لا يفهم ويستوعب، بعد كلّ هذا، ألا يستحق منّي التوبيخ والعقوبة والزجر والضرب ؟!.
       أمّا العمال الذين رفعوا تقريراتهم إلى النقابة ، فينبغي طردهم من العمل ، ليكونوا
عبرة للآخرين ، وبذلك لا تدبّ الفوضى في
المخبز ، وأمّا رئيس قسم العجن ، " سعيد
الصالح " ، فعلينا التحقيق معه فوراً ، لأنّه
يحرّض العمال ضدّي .. وهذا ينعكس سلباً
على المصلحة العامّة ، وعلى الوطن وأمنه
عامّة ..وهنا تكمن الخطورة والفظاعة والبشاعة ياابن العم .. " فسعيد الصّالح" هذا
لا يسمع الكلام ، ولا ينفذ الأوامر ، أقول له
دائماً :
- عجبب أمرك يا سعيد ؟!.. كيف تحرّض العمال ضدّي ، وأنت ابن عشيرتي ؟!.
فيتّهمني بأنّي أضرب العمال لغاية شخصيًة..
واستمرّ في تحريضه للعمّال ، حتّى تفشّت
ظاهرة خطيرة للغاية ، وهي مجادلة العمال
لي ، والتفلسف ، والمطالبة بالحقوق .
       يريدون تقليل ساعات العمل ، وكأنّ
عشرة ساعات من الاستراحة في اليوم الواحد لا تكفيهم ؟!.. فهم لا يدرون أنّ الأمم
المتقدمة تعمل ليلاً نهاراً ، وهذه المعلومة ،
مقتبسة من خطبك أنت ياابن العم .
       كما قلت لك ياابن العم العزيز ، العمال يطالبونني بأشياء مضحكة ، والأكثر غرابة
أنهم طالبونني بالسماح لهم بالنوم بضع ساعات ، خلال دوامهم الرسمي ، أسوة بي ،
صاروا / الكلاب / يحسدونني على كم ساعة
أنامها ، متناسين المسؤلية الجسيمة الملقاة
على كاهلي ؟!.
       انظر إلى هذه الوقاحة ، وقلة الذّوق ، وعدم التقدير والاحترام ، ياابن العم ، والله
أكاد أجن من هذه الصّفاقة وعدم الشعور
بالمسؤلية .. إنّهم جهلة ، أوغاد .
      أشياء خطيرة تحدث عندي في المخبز
، وأخشى أن يقوموا بالإضراب ، أو بتحطيم
الآلات ، وأنا بحكم مسؤليتي لن أسمح لهم
بذلك .. لذلك أبدو قاسياً عليهم بعض الشيء
... نعم .. لقد ضربت عامل القطّاعة ، ذلك
الكهل الأجرب ، بسبب استهتاره وعدم تقيّده بالتعليمات الصادرة عنّي، قلت له أكثر من مرّة :
- ممنوع شرب الشاي أثناء العمل ، أنت هنا كي تعمل .. والمصلحة العامة تقتضي منكَ أن لا تضيّع دقيقة واحدة هدراً ، دون انتاج.
       لكنه بهيم لا يفهم ، دائماً يكرر نفسَ الجريمة ، وأجده يشرب الشاي ، والأفظع
من كلّ هذا ، أنّه بدأ يجادلني ، ويناقشني ،
قال :
- ياأستاذ " خيّار "  دوامنا طويل أربع عشرة
ساعة، ونحن وراء الآلة '' ساهرون " ألا يحقّ
لنا أن نشرب كأس شاي ؟!.. أنت عندك / وهنا بدأ يتحاقر / ، أنت عندك هنا ندوة  ، وعاملة خاصة من أجل أن تصنع لك الطعام
والقهوة والشاي، فلماذا المسموح لكَ ، ممنوع
علينا ؟!
       وهنا لم أعد أمتلك أعصابي ، فضربته ،
وحرمته أجرة العمل الإضافي لمدة شهر كامل .. وأعتقد بأنني لم أظلمه ، بل هو من
ظلم نفسه بنفسه .. بسبب حيونته .
       والكلب " سعيد الصالح " ، أقنع هذا العامل الغبي بضرورة رفع تقرير بي .
       وممّا قاله في التّقرير :
- ضربني رئيس الوردية ، لأننّي لم أقدّم له
الكرسي في باص النقل الدّاخلي ، فقد التقينا صدفة في  الحافلة ، وكنت قد منّ الله عليّ بكرسي ، وأنا متعب .. وفجأة
لمحت رئيس الواردية في الباص ، واقفاً ،
لا مكان له .. وخطر لي أن أنهض وأتنازل
له عن مكاني .. ولكنّي أكبر منه سنّاً .. أنا بعمر والده ، ثمّ أننّي متعب ، ومنزعج منه ،
فقد تسبب بحرماني من أجرة العمل الإضافي ، لمدة شهر كامل .. لذلك تظاهرت
بعدم الإنتباه له .. ولم أعطه مقعدي .
       لنفترض كلامه صحيحاً ، أليس على النقابة أن تبصق في وجهه الأجعد ، لأنّه تشاغل بالنظر إلى الشوارع ، من خلف الزجاج ، ولم يقم متطاهراً بأنّه لا يراني ؟!..
أليس من حقّي أن أغضب ؟!.. لقد شعرت بأنّه أهانني حين تجاهلني ، إنّه لم يحترم
رئيس ورديته ،  بالتالي كان مستهتراً بالنظام
وبالمصلحة العامة ، صحيح يكبرني بأكثر
من ثلاثين عاماً ، ولكن مع هذا أبقى رئيس
ورديته ، وعلى الإنسان المحترم أن يحترم
من كانوا مسؤولين عنه ، لأنّ الله سبحانه وتعالى خلقنا درجات .
       وهكذا وبنفس الطريقة حرّض " سعيد
الصالح " كلّ العمال ضدّي ، فصاروا عصابة
متحالفة ، يكتبون التقارير ضدّي ويقدمها" سعيد الصالح " للنقابة ، حتّى أنّه لا يقدم
التقارير للّجنة النقابية عندنا في المخبز ، لأنّه كما يزعم بأنّ اللجنة النقابية منحازة معي ، وهي مع الإدارة ضدّ العمال ، لذلك
يقدّم التقارير إلى أمانة النقابة بالذات ، وهؤلاء النقابيون باتوا يزعجونني ويقلقون
راحتي ، ولولا أنّهم يعرفون بأنّ ظهري مسنود بجنابكم ، لكانوا قد ضايقوني
بالفعل .
        ولكن مع هذا فالنقابة شجعت العمال بشكلٍ غير مباشر على الاستهتار بي ، حتّى إنّهم بدأوا يطلقون التّسميات عليّ ، يقولون:
" إنّي أبو طبخة " ، لأنّ كرشي كبيرة ، ويدّعون أنّي ألتهم طبخة كاملة في وجبة واحدة ..وكأنّ هؤلاء البهائم يطعمونني على
حسابهم ، صارت الكرش مسخرة للجهلة !!..
مع أنّها صحة من الله عزّ وجلّ ، وأنا أفتخر
بها لأنّها تمنحني الوجاهة ، أليس كلّ المسؤولين أصحاب كرش مثلي ، وخاصةً كرشك أنت يا ابن عمّي كم لها من هيبةٍ ووقار ؟!.
       ويسمّونني أيضاً قزماً ، وكأنّ القصر شيء معيب ، متناسين بأنّ كبار المسؤولين
في العالم قصيرو القامة .
وأيضاً يقولون عنّي :
- أبو رأس الكبير .. والأصلع .
       متجاهلين أنّ الرأس الكبير والأصلع ،
يمتاز بالعبقرية والذّكاء .
       وراحوا يرسمونني على الحيطان داخل
دورة المياه ، ويسقّطونني على الجدران أيضاً .
       شائعات كثيرة يتداولونها ، منّها أنني أنا
الذي قمت بتعيين المدير ، وجميع الإداريين،
ويقولون عنّي :
- لو كان يملك شهادة دراسيّة ، لنصّب نفسه مديراً عاماً .
       وبعد كلّ، ذلك ، أليس من الواجب أن نضع فردة حذاء في أفواه من يتفلسفون ؟!.. ،
خصوصاً وأنّهم راحوا أيضاً يتهموننا بالسرقة
أنا وجميع الإداريين .
       لقد بدأت أفقد هيبتي في المخبز ، ولا
يمكنني ترك النقابة تشجّع العمال على هذا
النّحو ،والسّكوت عن " سعيد الصّالح " رأس
الفتنة ، الذي قال عنّي في أحد تقاريره :
- شاهدّت رئيس الوردية يمارس الجّنس مع
عاملة التّجميع " مريش الصّياد " ، كانت " مريش " تبكي وترجوه أن يتركها في حالها.
لأنّها دخلت المستودع كي تأخذ أكياس نايلون ، من أجّل تعبئة الخبز ،وانقضّ عليها
رئيس الوردية ، مهدداً بأنّها لو عارضت ، سوف يطردها من المخبز ، مع حرمانها كامل راتبها ، وحينما حاولت التدخل ، وكنت مصادفة قد دخلت المستودع ، ضربني رئيس الوردية ، ولم يكتفِ بأن يضربني ويطرد العاملة " مريش " من عملها ، بل حرمني أجرة العمل الإضافي ، لمدة شهر كامل ، وأنا منذ أكثر من سنة لم أتقاض أجرة العمل الإضافي ، بسبب العقوبات الدائمة ، ولو لم أكن مثبّتاً في وظيفتي ، لكان طردني أيضاً مع العاملة " مريش الصياد " .
       كان هذا السّافل يتجسّس عليّ إذاً .
ولا تستغرب أن ينشر أخبارك غداً ، في البلدة ، فهو ابن عمّك ويعرف كلّ أسرارك .
ثمّ مادخله هو والنقابة في مثل هذه الأمور
الشّخصيّة ؟!.. وأنا لم أغتصب العاملة " مريش الصّياد " بل كانت تمانع دلالاً  " كعادتهنّ " ، وحينما تفاجأت " بسعيد الصالح " ، يدفع باب المستودع يدخل علينا ، انقلبت وصارت تتظاهر بالعفّة والشّرف .. ويقول المثل ( اللي مابدّلي زمبيلها ، ماحدابعبيلا )
هذه أشياء خطيرة تحدث ، كما ترى ياابن
العم ، ياصهري العزيز .. فلماذا لا نتخلٌص من " سعيد الصالح " هذا ، انقله .. من هذا المخبز ، أو دبّر أيّ طريقة للتخلّص منه ..
وإن لزم الأمر نتخلّص من كلّ العمال ، وأنا
على استعداد كامل لتدبير عمال وردية كاملة تكون مخلصة لي خلال يوم واحد ..
وإلاّ أرجوك أن تنقلني من هذا المخبز ، إلى
أي شركة تراها مناسبة لي ، رغم حرصي الشديد على البقاء مع الأخوة الإداريين ، وخاصة المدير ، لما بيننا من حبّ وتعاون .
       وأخيراً .. فأنا لا أشكّ أنّكَ الآن ، تبينت
الحقّ من الباطل ، وإنني على ثقة من أنّك
لن تتركني أعيش في مثل هذه المهزلة .
ودمتم لنا ياابن العم .
                   التوقيع : ابن عمّك
                   خيار المهيدي
ملاحظة :
       بلّغ تحيّاتي وتحيّات زوجتي رتيبة .. إلى شقيقتي سعاد وكافة الأولاد . وندعوكم
لقضاء عدة أيام عندنا في البلد .
هناك مشكلة بيننا وبين عشيرة الزّحلان عسى بوجودك أن تجد لها حلّاً ، خاصة وأنّهم يخافون من وجودك بيننا .

ملاحظة ثانية وهامة :
        أحمد شقيق زوجتي ، مطلوب لخدمة العلم ، بعد أيام ، سنرسله لعندكم في العاصمة ، من أجل فرزه لمكان مناسب .
        وشكراً .

                     مصطفى الحاج حسين .
                        حلب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق