الاثنين، 30 يناير 2017

دموع الياسمين / الكاتبة هيفاء عمر / مجلة تجمع الأدباء والكتاب السوريين والعرب الأحرار / رئيس التحرير محمد أحمد خليفة




الدمعة الأولى
تمسك كوب (النسكآفية) بيد واليد الأخرى تُشغلها في التهام آخر ما تبقى من سطور كتابها الجديد ..!
توزع نظراتها الدقيفة المتحمسة بحب متدفق على صفحات الكتاب ..!
لا شيء يُوقظ خلاياها المتحمسة سوى مناظر القراءة والكتب تستعلي سواعدهم ..أحيانا تشك بأنها مصابة (هوس القراءة ) ولكنها سرعان ما تقول في خاطرها لا ضير في مرض ظاهره وباطنه يضمر من الخير الكثير ..!
غالبا ما تختبأ المنح العظيمة خلف العقبات اليائسة ..!
انتبهت من قراءتها على صوت يضج بالخارج ..أسرعت في وضع كتابها جانبا لتقف مرتدية جاكيتها الجينز مخفية بذلك يديها أخذت وضع الهجوم ..جو حياتها المليء بالمصائب ..وأوضاع بلادها التي لا تستتب حتى تعاود الهيجان شكلاها كثيرة التخوف من الحياة .!
تفتقد أفضل مقومات الحياة ..تفتقد الآمان في حياتها ..!
فتحت باب غرفتها بهدوء وهي تميل برأسها بنعومة..علها ترى ما يحصل خارج مملكتها ..تجمدت أطرافها الملتاعة التي لم تبرء بعد من جرح فات ..وهي ترى طفل ملقى على الأرض بلا حس يلفه ولا حياة وي كأن شبح الموت يربت على كتفه ..يتوشح بدمائه الطاهرة ..!
اااااه يا قلبي ..كيف له أن يحتمل كل هذا ..من أين أحضر صبرا أغرقني به..تعرفني يا ابراهيم ..لآ أطيق عيشا اذا ما لمحت عيناي الدماء تتبختر على جسد الانسان ..أخا الانسان ..بكل جبروت الدنيا ..!
أظنك حفظتني وحفظت ايماءاتي الخائنة التي تجبرني على كرهها أكثر كلما اصطدمت بعقبة جديدة..!
كلما حاولت لملمت شتاتي الموجع ..تأتي أنت لتوقظ في قلبي ألف اه من الحزن المتراكم..!
أفقدني خلف كل تجاعيد الحزن التي خلفها القاهر ..مازلت أبحث عن ملامحي ..أكاد انساها ..ان لم أكن نسيتها كما نسيتني ..!
دنت من الطفل من دون معرفتها عن التفاصيل أصلا ..عاطفتها تقودها بقوة ..وتدفعها لتنتحب كلما لمحت وجهه الحزين وتقاسيم البؤس التي تحيطه تجبرها على الشعور بالأسى أكثر..!
جاهدت غصاتها ..صارعتها مدارا لتنطق بصوت موغل بالوجع وهي تمسح على وجهه الصغير :
حبيب قلبي انت ..من عمل فيك هكذا ؟!.. ما هو هالذنب الذي عملته لحتى تتآذى بهالشكل ؟! ..العمى بقلوبنّ ..أين الرحمة ..!
استمرت بالبكاء والذكريات تقتحمها فتعذبها ..!
اقترب منها وهو يرى اندافعها الموجع لفؤاده ..صغيرته بدأت بالذبول ..الأحزان صيّرت منها أنثى مهدومة الأركآن ..شعرت بحسه يحاوطها التفت اليه والدموع تملأ عينيها ..لتناجيه بانهيار أن أدنوا مني ..استجاب لها شاعرا بروحها المتوجعة ليجلس أمامها ..لتلقي برأسها على صدره ..مخلفة ورائها صورة الطفل الكاسرة لفؤادها لتمتم بانهيار وآخر ما تبقى من انفاسها تسعفها :
لك ابراهيم هذا الطفل ماذا عمل؟؟ ..لحتى تنحرق طفولته.. !!
اختفى صوتها بعد ان عادت للبكاء بوجع أعمق ..!
قبّل رأسها متوجعا لحالها ..!
فتحت باب البيت بهدوء وهي تستنشق عبق الياسمين ليتوغل في عمقها أكثر فأكثر ..وزعت نظراتها على البيت الخالي من الحس ..سوا صوت العصفوران كثيران النغم ..تحلو الحياة بنغمهم المتواصل ..الذي لم يقطعه حزن ولا شجن ..!
تنهدت بهم وهي تصارع أوجاعها لتطرحها أرضا ..لا تريد للوجع أن بختلي بها فيخنقها ..رغم اليأس الذي يملأ موطنها ..الا أن حياتها تمتلأ ألوانا ..علها بذلك تنقذ نبضها من السقوط في غيابات الشجن ..رتبت البيت بهمة لا تموت وهي تستمع لصوت القارئ فارس عباد أكملت عملها الروتيني وهي ترى أختها الصغرى تدلف البيت بنشاط يتجدد ..جلست بجانبها من دون أن تبدل ملابسها لتسترسل بالكلام بعد أن ألقت السلام وهي تراها تغسل الأطباق :
لك ما عرفت ما حصل اليوم..عن جد شي بسقط القلب ..كنا ناخد حصة رياضيات وقالت: الآنسة انه علينا امتحان ..المهم يا ريت أخدنا الامتحان ولا صار فينا اللي صار ..سمعنا صوت اطلاق الرصاص ...ماشي متعودين على هل الاصوات ..بس بعدين ماتت قلوبنا لما سمعنا صوت قنبلة ..قلت الموت جايكي يا مي قبل ماتصلي وقبل ما تتركي المسلسلات كل ما تيجي عندكن الكهرباء
أردفت وهي تضحك :
صرت أولول (تقول ياويلي ) وبعدين...
قطعت عليها سيل أحاديثها اللامنتهية قائلة : مي..دخيل الله ..بكفي حكي ..ما ضل سالفة الا حكيتي فيّا ..!
لتقف تلك من بعد جملتها متذمرة ..ابتعدت من المطبخ وهي تقول بصوت مرتفع :
يصحلك مي تحاكيكي ..لك دمشق كلا بتتمنى مني نظرة ..!
أطلقت ضحكة صغيرة على ،هبل، اختها وجنانها الدائم ..!
مي تعطي لحياتهم طعما ولونا يمتلأان طفولة وبرائة ..!
كم تشفق عليها رغم وجعها العميق ..الا انها مازالت تحتفظ بلسانها السليط وثرثرتها الطويلة ..!
لكم أشفق على روحك صغيرتي ..اتمنى أن احتضنك بقوة لأبعدك عن ظلم هذا العالم الفاجر ..لم تعايشي سوريا حرة الجبين كما يجب ..الا انك تحملين في حناياك عبقا شاميا خالصا يبدأ من بيروت منتهيا بعمان مارا بدمشق والقدس ..!
13 سنة مضت من عمرك تعايشينا أزقة سوريا بكامل عفويتك اللذيذة ..أختاه ..ليت لي ثلاثة قلوب كي أملأها حنانا أغرقك به وأنا أضعك بجانب الياسمين ليزيدك انتماء لوطننا المنهوب ..!
ليتني أملك يدا حديدية وجسدا لا ينهك ..فأقف أمامك دائما مبعدة كل من يحاول مساسك بسوء يقتلني ..قبلك ..!

هناك تعليق واحد: