احتراق
عندما قال ذات يوم، في لقاءِ فجرٍ شاحبٍ: أوقفوا تلك الشمس لحظة، كي أُلقّحَ اللّيلَ بالنجوم.
تراقصتِ الشّفاه، حدّقتِ الأعين، اهتزّتِ الرؤوس مستهزئة، رشقوه بعبارات الجنون، والخرف.
ضحك مختار القرية حتى اهتزّ كرشه المتدلي حتى ساقيه: ياللمسكين، أعان الله زوجته، كيف استطاعت تحمّل جنونه كلّ هذا العمر.
انتشروا في الطرقات. أصوات ضحكاتهم المجلجلة عانقت السماء، بينما التحفت الشمس بقطعة قماشٍ أسود، كي لاتنتقل العدوى إليها.
في الطريق كان أبو علي، يسارع خطاه، خلال شعاب قريته وهو يصرخ: قرية كئيبة، سيدركها الهلاك.
بدا الشفق يتوقّد وكأنَّ السّماء تتهاوى من فوّهة بركانٍ مشتعل.
هجم اللّيل على غير عادته ناشراً ظلمةً سديميّة موحشة.
الأطفال الذين اعتادوا اللّعب في ساحة القرية مساءً، تحت ضياء القمر.
تجمّعوا حول معصرة العنب العتيقة، ينتظرونه.
صدح صوت عليّ من بينهم: القمر يحترق.
تراكضوا باتجاه بيوتهم والخوف يأكل من أرجلهم، ليصل الرعب في أنحاء القرية.
تسللت رؤوس النسوة من فتحات النوافذ الضيّقة محدقةً نحو السماء.
هرول الرجال حفاةً، نحو الساحة، وصل المختار متأخراً والّلهاث يشتعل في صدره: ياأهل القرية .. اختفتِ النجوم.
تسمّر الجميع في أماكنهم، توقف الّلهاث، رؤوس النسوة التصقت بالنوافذ.
من الربوة المطلّة على القرية، ظِلُّ رَجُلٍ يحمل فانوساً، وقد امتلأ صدى صوته المكان: ضاع صَيفنا، شاخ ربيعنا.
هديرٌ يمزّق الفضاء، يتبعه ضجيج، تُلقى حممٌ بركانيّةلتضيء القرية. ركام ..أشلاء ..
بينما ذاك الظلّ يستطيل بقامته، ليعانق النجوم النائمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق