الثلاثاء، 28 فبراير 2017

بين حياتين قراءة في قصيدة الشاعر محمد معتوق "ترانيم لعشق لا يموت " بقلم الأديب والشاعر أوس غريب / مجلة تجمع الأدباء والكتاب السوريين والعرب الأحرار / رئيس التحرير محمد أحمد خليفة







أولاً : القراءة :
"تراتيل لعشق لا يموت " هذا العنوان الذي كثيرا ما يشار إلى أهميته حتى جعله بعضهم النص كله وراح يؤكد وينوه بأهميته  .
 ما الذي يحمله  ، و يضمره هنا في قصيدتنا التي نذهب إلى دراستها .
 " تراتيل لعشق لا يموت " 
 هذا هو العنوان عتبة انفجار الخفايا وانطواء المضامين ، بؤرة اسرار النص وباب مقولاته .
  لنتأمل فيه ، لنتأمل في صيغة النفي  " لا يموت" 
 أليس في هذه الصيغة تأكيد على الحياة من خلال سلب ضدها ، سلب الموت .
 كأنه يقول :  الموت يتقهقر وينثني وتقصر يده ويعجز .
 والحياة تتأكد وتترسخ وتثبت .
إذن فالنص ينطلق من الموازنة بين الحياة والموت ويعلن منذ البدء انحيازه الى الحياة وتبنيها واختيارها ، وهي كما يظهر العنوان حياة الحب الشديد ؛ حياة العشق  الذي تتعلق به  الروح  و تتمسك وتنزع .
 لها يرفع الشاعر ترانيمه ويزجي ابتهالاته وأغانيه الكثيرة والمتكررة كما تدل صيغة  الجمع "ترانيم "  

يقول الشاعر : 

"وقور 
كعينيك ذاك المقام 
يفيض المدى 
طافحاً 
من يديك 
برف اليمام 
يبوح بسر التجلي لهذا التمام"

" ذاك المقام " لنتوقف قليلا مع هاتين الكلمتين  :
 - اسم الاشارة :  "ذاك " .
 كما نعلم جميعا  "ذاك"   إشارة للمتوسط ؛ ليس بعيدا وفي الوقت نفسه ليس قريبا 
- المقام : منزلة ورتبة يلزمها مجاهدة كي تنال كما تدل في التعبير الصوفي .
  والمقام هنا مقام الشهادة فالشاعر يخاطب الشهيد 
و هو مقام مختص بالجد ، والرزانة .  بالهدوء ،  والرصانة .  بالوقار والاتزان 
وهو متصل بالتمام وأسرار تجليه 
ومرتبط كذلك بمعاني الامتلاء والفيض والكثرة حتى  غطت أسراب اليمام  التي صدرت عن يده المدى 
فهو متصل بالأمان أيضا  .
هذا المقام مع كثرة لوازمه وارتباطاته ممكن لا هو ببعيد معجز ولا بقريب متاح .
ولهذا المقام المتصل بالمجاهدة والسعي أهل فهو منزلة وإن أمكنت لكنها خاصة .
فمن أهلها ومن مستحقوها  لنرى :

"يقول لخيل التحدي 
إمام الرفاق 
هنا 
باسط يده للنجوم 
فقومي إليه صفوفاً... صفوفاً 
وصلي عليه صلاة الندى يا نجوم "

قبل ان نتحدث عن  المستحق  ، عن المؤهل لهذه المرتبة لنتأمل هذا التعبير :
" إمام الرفاق " 
الإمام  : من يؤتم به  فالإمام مرتبة أيضا وهي مرتبة وإن أمكنت لها أهلها ولها مستحقوها كذلك ؛ يشغلها بحسب المتعارف رئيس ، او قائد ، أو رجل عالم بارز في حقل من الحقول كالدين او العلوم او الفنون 
وهو أيضا اقصد الإمام بمعنى المثال ومعنى الدليل ومعنى الطريق الواضح الواسع 
والإمام مضاف إلى الرفاق  وكلمة الرفاق متصلة بالرفق وهو اللطف والرقة ولين الجانب وتجنب العنف وبالرفقة وهي الصحبة التي تضمر توافقا  واتفاقا مما يجعل هؤلاء الرفاق على شيء من التجمع والتضام والتعاون 
إذا وصلنا الدلالات ببعضها علمنا ان الشهادة منزلة ، والإمامة منزلة ، وبينهما ما بين الآمر والمأمور ، القائد والتابع ،  الرئيس والمرؤوس ،  القدوة والمقتدي ، إذن فالشهيد منزلة على شاغلها ان  يتصف بالرزانة والرصانة والهدوء واللين و الجد والنشاط والدأب .
 وان يتصل كذلك بالتمام والكمال ومحبة الأمن والأمان .
عليه أن يصغي إلى الإمام إلى الخبرة والمعرفة والحكمة والمثال والدليل .
هذا ما نستشفه من المقطع السابق والإمامة لا توجه خطابها إلى المتقاعسين إلى الكسالى وانما تخاطب من يتسم بالتحدي والمواجهة والمجابهة والعمل والجد والمثابرة ، من يصلح ان يصير شهيدا 
الشهادة إذن ليست ارتجال ، ليست عملا عابثا ، ليست تهورا واندفاعا اعمى .
ليست هدما للاوطان وتخريبا وتحطيما لآثارها ليست تذبيحا وتحريقا ، ليست رعبا وإرهابا 
ليست مشروعا ظلاميا او إظلامي .
 إنها بوابة الترانيم والابتهالات .
المدخل الذي ينفتح به  الداني على العالي والناقص على الكامل والمحدود على التام ،
 هي امتثال لإمامة  تجعل  المدى مسرحا لرفوف اليمام تفيض فيه وتطفح .
إمامة  تقود الرفاق و تصل بين صنائعهم و النجوم حتى يستحق واحدهم ان تقوم إليه  صفوفا صفوفا وتمنحه صلاة السخاء والخير والجود والمطر .

هنا نتساءل ويحق لنا أن نتسائل لماذا علينا ان ندفع حياتنا ثمنا ، لماذا لا تتحقق هذه الأمنية إلا بالموت
بالنزف والدم والتضحيات . الا توجد دروب اقل تكلفة .
يقول الشاعر : 

" أرى مدن الملح تغفو على لوح ثلج 
أنا لا أراها 
قناديلها الموت 
تاهت وصحراءها في الفراغ 
وصار الربيع يباساً" 

ما حياتنا ؟!!
حتى نتردد ونتساءل !!؟
ليت شعري  ما حياتنا   غير برد ، وظلام ، وضلال،  يباس،  وخلو ،  وفراغ .
خواء،  وقواء،  وجدب .
محل ، وقحل وضياع .
ما حياتنا غير أجاج،  وملوحة،  وكدر .
أليست الحياة التي يطالعنا بها ويزجيها إلينا اجدر وأقمن وأولى وأليق .
  الا تستحق حقا ان  نخرج من فراغنا فنسعى ، ونجتهد ،  ونعمل ،  ونثابر ،  ونكافح ، ونتحدى ونموت 
نعم نموت .
لأجلها .
 و فيها .
 لأغاريدها  ، وترانيمها ، وأسراب نجومها ويمامها  حتى تفيض وتطفح وتملأ حياتنا القاحلة  .

"ونادى النخيل بلادي.. بلادي 
فأسعى إليك حثيث الخطى 
كي تخر طيور الحنين سلاماً عليك 
وأنت الأمين..الأمين 
اسميك وعد السماء على هذه الأرض 
أنت الفدائي في أول الرعد 
كم كنت غيثاً لنزف البلاد 
وطل الضريح على السهل 
فرت إليك الشقائق كيما ترد الصدى 
للصباح  
فعم يا سمير على العشب "

أسعى إليك حثيث الخطى ؛ كي تخر طيور الحنين  ، انت الأمين الأمين نعم  هو الامين ، وهو الحارس وهو الحافظ ،  وهو الموثوق ، إنه المخلص والمخلص بسكون الحاء وفتحها. 
ولقد اصاب الشاعر في كل هذا السعي  ،والتحضيض في كل هذا الدعاء  ، والنداء ،  ورفع الصوت
 في هذه  الاستغاثة ، والدعاء  . 
لابد  من الإجابة ، ولا بد  من الالتزام بوعد السماء ولا بد من التضحية بالنفس ،  والجهاد ، ولابد من النزف  ، وسكب الدماء ،  حتى يأتينا خير الغيث و ينهمر علينا  عونه ونصره ، حتى تتردد أصداء الصباح ،  وشمسه ،  فتذيب الثلج والجليد وتنقي الماء من كدره وركوده .
الشهادة سر الخصوبة . 
 والشهادة سر البقاء .
 ونحن جميعا شهداء  ، فليكن موتنا في مدينة الغناء والنشيد ،  مدينة اليمام والندى ، مدينة الدفء و العمل ،  مدينة الجهاد والنضال .
لا مدينة القواء واليباس،  الرمل والملح والضلال ، التيه والبرد والظلام . 
ليكن موت عزة وكرامة موت بناء وتشييد موت تقدم ونهوض .
لنلقي عن كاهلنا هذه المسوخ ، هذا الخواء 
لنرفع ترنيمة العشق نحو وجود لا يموت ولا يعرض له غير التمام

ثانيا: نص القصيدة :

ترانيم لعشق لا يموت

مهداة لروح الشهيد القائد الرمز د. سمير غوشة 
محمد معتوق *
وقور 
كعينيك ذاك المقام 
يفيض المدى 
طافحاً 
من يديك 
برف اليمام 
يبوح بسر التجلي لهذا التمام
يقول لخيل التحدي 
إمام الرفاق 
هنا 
باسط يده للنجوم 
فقومي إليه صفوفاً... صفوفاً 
وصلي عليه صلاة الندى يا نجوم 
أرى مدن الملح تغفو على لوح ثلج 
أنا لا أراها 
قناديلها الموت 
تاهت وصحراءها في الفراغ 
وصار الربيع يباساً 
ونادى النخيل بلادي.. بلادي 
فأسعى إليك حثيث الخطى 
كي تخر طيور الحنين سلاماً عليك 
وأنت الأمين..الأمين 
اسميك وعد السماء على هذه الأرض 
أنت الفدائي في أول الرعد 
كم كنت غيثاً لنزف البلاد 
وطل الضريح على السهل 
فرت إليك الشقائق كيما ترد الصدى 
للصباح 
فعم يا سمير على العشب 
أنت الذي قد منحت الخصوبة سر البقاء.


************* 

تم بواسطة / سمر لاشين 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق