أولاً : نصُّ القصيدة :
" أغلقتُ عيني النافذة
نام الجدار
وفي منامه حلُمَ بامرأةٍ معلَّقةٍ
على صدره
تعطيه قبلة
وتأمره بمساندة سطح الغرفة
والقمر "
ثانياً : القراءة :
يفتتح الشاعر قصيدته بقوله :
" أغلقتُ عيني النافذة "
هذه الافتتاحية تثير عدداً من الأسئلة منها مثلاً :
لماذا قال : عيني النافذة ولم يقل : نافذة عيني ؟؟
هل يريد أن يؤكد صفة النفاذ ؛ فيقول لنا ارى ما لا يراه الآخرون ، ارى أبعد مما ترون .
إذن لماذا قال أغلقت عيني ؟؟
هل يريد أن يبعد أذهاننا عن الرؤية الحسية ويجذبنا إلى الرؤية القلبية ؟؟
ما هو الشيء الذي يراه الشاعر بقلبه ولا نراه ؟؟
إلى أين ينفذ بعينه وتقصر عيوننا فلا تبلغه ؟؟
يقول الشاعر :
" نام الجدار
وفي منامه حلُمَ بامرأةٍ معلقةٍ
على صدره "
لماذا قال : معلقةً ؟ فاستخدم اسم المفعول ونحن نعرف أن هذا الاسم يشتق من فعلٍ متعدٍ من جهة ومبنيٍ للمجهول من جهة ثانية ، وفيه دلالة على وصف من وقع عليه ؟
التعدي والمجهولية والوصف هل كانت في قصد الشاعر ، أم أن عين قلبه هي التي تتكلم ؟؟
" تعطيه قبلةً
وتأمره بمساندة سطح الغرفة
والقمر "
لماذا الفعل " تأمر " ؟؟
لماذا لم يقل : قبلته وأمرته ، فقال : تعطيه قبلة وتأمره ؟؟
ثم لماذا القمر ؟ وما الذي يهدد القمر حتى تستفر لمساندته ؟؟
هذا هو النص ، وهذا بعض من أسئلته ؟
يلجأ الشاعر إلى جملة من التقنيات ، فيوظفها بمهارة مبهرة ، التناص مع زرقاء اليمامة ، التناص مع قصة الأميرة النائمة ،
التناص مع عقائد شعوب المشرق القديمة
فضلا عن تقنية الحوار ، والقناع .
إذن فالشاعر يرى ورؤيته نافذة بعيدة ، تقصر عن مداها أعيننا ، وهو يتنبأ بالشر المستطير ، وهو شرٌّ لم تره الزرقاء ، فكان أمضى منها وأبعد
فما هو هذا الخطر ، هنا نصل إلى الأميرة النائمة التي
اتخذ منها الشاعر قناعاً ، والأميرة النائمة ، هي فرحة المملكة وسرّ بهجتها ، التي جاءت بعد شوق وانتظارٍ ونذور من أبويها الملكين ، والتي أعطتها السماء جزاء نقاوة القلوب وصفاء السرائر ، ولكن أبويها وفي غمرة انشغالهما بالبهجة والفرح ، لم يلتفتا إلى الساحرة السوداء ، ولم يأخذاها بالحسبان ، فنقمت وامتلأ قلبها بالكراهية والحقد ، فقررت أن تلقي على الأميرة ظل النوم الدائم الابدي وزخرت له موعداً وقت بلوغها حين تتم السادسة عشر ، عند غروب الشمس ، والأميرة هي نور الشمس ، والقمر يأخذ نوره منها ، فإذا رقدت يرقد وإذا نُكبت يُنكب .
ولكن السحر الأسود لا يملك تلك القوة المطلقة ، وهو ليس بقضاء محتوم ، لأنه بالحب الشديد وحده ينهزم ، بقبلة الأمير للجميلة وقبلة الأميرة للشاعر ينقهر وينكسر ويخذا
بلغت الأميرة السادسة عشر ، فأغلق عليها ابويها الغرفة ، حتى لا يصلها سم السحر ولكن الأميرة وهي على ما في قلبها من ضيق وضجر ترى منفذاً في الجدار ، فتدلف منه لترى امرأة تخيط وتغزل تتقدم منها ، وتمد يدها إلى الحرير فتخذها إبرة الخياطة وتسقط نائمة إلى أمد لا يُعرف مداه.
الخطر إذن يتهددنا من أنفسنا ، من الكراهية ، من الحقد اللذين يوقعانا في نوم أبدي لا نصحو منه إلا بالحب الشديد .
والقمر هو الإله الذي عبدته شعوب المنطقة جميعا ، العراق ومصر وتركيا واليونان وهو عند اليمنيين إله المقة ، والمقة في العربية هي المحبة
إذن علينا لكي نصحو من رقدتنا ان نملأ قلوبنا مقة ، ان نفعمها محبة ،
ولكن لماذا اختار سطح الغرفة ؟؟ لماذا جعل الشر يأتي ويدخل إلينا من أعلى ؟
هنا نعرف أن القصيدة نبوءة شاعر فقد كتبها عام ٢٠٠٢ قبل هذه الحرب المقدسة ، استشعر بحسه الفني ، بعينه النافذة أن القداسة هي رحم الكراهية ، هي غرفة الحقد الأعمى ، وعبر منفذ الجدران ستدلف إلينا وتمحونا بظلها الأسود
وبعبقريته الفنية مرة أخرى تنبأ أنه ما من باب يفسح للمحبة ، كباب الفن ، حيث عُلِّقَتْ الأميرة
علينا ان نغطي جدران قلوبنا ، منفذ السحر الأسود بزينة الفن ولوحاته الخالدة حتى نقدر أن نعطي قبلة الحب العظيم فنساند إله القمر وبيوت عباده.
*************
تم بواسطة / سمر لاشين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق