بعد يومٍ شاق في العمل غادر أبو عرب المحجر .
كانت الشمس قد مالت قليلاً عن سِمتِها و لكن الجو كان حاراً ، وقد طغت عليه غبرة قاتمة تُضعف الرؤيا وتكتمُ الأنفاس. كانت الحافلة بانتظاره و العمال على مدخل المحجر ، فركب أبو عرب الحافلة مع سائر العمال و ما هي إلا لحظات حتى سارت بهم متجهة إلى سوق المدينة، ولم تمض سوى نصف ساعة أو أقل حتى توقفتْ في مكان بعينه من السوق ، وهناك قذفت حمولتها من العمال الكادحين و المُتعبين ...
غادر أبو عرب و بعض من تبقى من العمال الحافلة ، و بعد أن سلَّمَ عليهم مُودعاً سار مبتعداً.
كان مُتعباً و قد بدا مُتثاقلاً بطيئاً في مَشيتِه.
كان ساهماً و غائبا بفكره عما يدور حوله، فهذه الطريق المتبقية إلى بيتهِ يعرفها تماماً و هو يسيرُها منذ أكثر من عشر سنوات، و بالتالي لا تحتاج منه إلى تركيز أو تفكير، و هي كذلك لا تأخذ من وقتِه سوى بضع دقائق.
وكعادته بل من البديهي أن يُطالع أبو عرب بسطات الخُضار والفواكه و هو يعبر السوق ، و قد يمتد بصرُه إلى فترينات الدَّكاكين و المحلات، و علاوة على ذلك فقد يشتري في أحيانٍ نادرة غرضاً أو غرضين لزوم بيته و حاجة عائلته.
لكنه اليوم يطالع بسطات الخضار و الفواكه ، وقد حل بنفسه توجع وحسرة ، فقد جلبت انتباهه بسطة صفَّ عليها صِنفٌ من التفاح الأحمر ، وقد بدا ريَّانا ... نَضِرا ..
كانت حبَّاته تَلمع تحتَ أشعة الشمس ، و كأنها لا تعكس النور وحسب، بل بدت كأنها قناديل منيرة بذاتها.
وقف أبو عرب أمام البسطة ، وقد بانت منه التفاتة إلى السعر المُدون عليها، كان السعر غالياً، بل كان مبالغاً به بالنسبة له. نقل نظره إلى التفاح، ثم عاد يُطالع السعر.
امتدت وقفته قليلاً و قد تملكته حيرة ثقيلة ، و استبدَّ به قلقٌ أليم.
حرك أبو عرب رأسه يُمنة و يُسرة ، ثم تابع سيرهُ إلى البيت كسيراً مخذولاً ..
وما هي إلا دقائق معدودات ، حتى كان يجلس مع زوجه و أولاده الصغار .
طالعتهُ زوجه ، ثم نظرت في وجهه المتعب و قد بدا مرهقاً متألماً ، لكنه كان في دخيلته حزيناً أكثر ، و موجوعا من أعماقه، فسألته زوجه : ما بك يا أبا عرب ؟!
بقي ابو عرب صامتاً ، ثم تلفَّتَ إلى أولاده ، و عاد ينظر في عيني زوجهِ و هو يقول : لقد شاهدتُ اليوم تفاحاً لم أر مثله أبداً في حياتي، وقد هممتُ أن اشتري منه ولكن ...
فقاطعتهُ زوجه : لا لزوم للتفاح يا أبا عرب و ليس ضرورياً
أجاب أبو عرب : ( يا أم عرب حرام ... خلي هالأولاد ياكلوا تفاح !!! )
*************
تم بواسطة / سمر لاشين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق